فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وانتصاب {يَوْمَ نَبْطِشُ} بـ: (اذكر) أوبما دل عليه {إِنَّا مُنتَقِمُونَ} وهو ننتقم لا بـ: {مُنتَقِمُونَ} لأن ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها.
{ولقد فَتَنَّا قَبْلَهُمْ} قبل هؤلاء المشركين أي فعلنا بهم فعل المختبر ليظهر منهم ما كان باطنًا {قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رسول كَرِيمٌ} على الله وعلى عباده المؤمنين، أوكريم في نفسه حسيب نسيب لأن الله تعالى لم يبعث نبيًا إلا من سراة قومه وكرامهم {أَنْ أَدُّوا إِلَىَّ} هي (أن) المفسرة لأن مجيء الرسول إلى من بعث إليهم متضمن لمعنى القول لأنه لا يجيئهم إلا مبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله، أو المخففة من الثقيلة ومعناه وجاءهم بأن الشأن والحديث أدوا إليَّ سلِّموا إلي {عِبَادَ الله} هو مفعول به وهم بنو إسرائيل يقول: أدوهم إلي وأرسلوهم معي كقوله: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إسراءيل ولا تُعَذّبْهُمْ} [طه: 47].
ويجوز أن يكون نداء لهم على معنى أدوا إلي يا عباد الله ما هو واجب لي عليكم من الإيمان لي وقبو ل دعوتي واتباع سبيلي، وعلل ذلك بقوله: {إِنِّي لَكُمْ رسول أَمِينٌ} أي على رسالتي غير متهم {وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى الله} (أن) هذه مثل الأولى في وجهيها أي لا تستكبروا على الله بالاستهانة برسوله ووحيه، أولا تستكبروا على نبي الله {أَنِّى ءَاتِيكُم بسلطان مُّبِينٍ} بحجة واضحة تدل على أني نبي {وَإِنِّى عُذْتُ} مدغم: أبو عمرو وحمزة وعلي {بِرَبِّى وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ} أن تقتلوني رجمًا ومعناه أنه عائذ بربه متكل على أنه يعصمه منهم ومن كيدهم فهو غير مبالٍ بما كانوا يتوعدونه من الرجم والقتل {وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِى فاعتزلون} أي إن لم تؤمنوا لي فلا موالاة بيني وبين من لا يؤمن فتنحوا عني، أوفخلوني كفافًا لا لي ولا عليَّ ولا تتعرضوا لي بشركم وأذاكم، فليس جزاء من دعاكم إلى ما فيه فلا حكم ذلك.
{ترجموني}، {فاعتزلوني} في الحالين: يعقوب.
{فَدَعَا رَبَّهُ} شاكيًا قومه {أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ} بأن هؤلاء أي دعا ربه بذلك.
قيل: كان دعاؤه: اللهم عجل لهم ما يستحقونه بإجرامهم.
وقيل: هو قوله: {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لّلْقَوْمِ الظالمين} وقرئ {إِنَّ هَؤُلاء} بالكسر على إضمار القول أي فدعا ربه فقال إن هؤلاء {فَأَسْرِ} من أسرى.
{فَأَسْرِ} بالوصل: حجازي من سرى والقول مضمر بعد الفاء أي فقال أسر {بِعِبَادِى} أي بني إسرائيل {لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} أي دبر الله أن تتقدموا ويتبعكم فرعون وجنوده فينجي المتقدمين ويغرق التابعين {واترك البحر رَهوا} ساكنًا.
أراد موسى عليه السلام لما جاوز البحر أن يضربه بعصاه فينطبق فأمر بأن يتركه ساكنًا على هيئته قارًا على حاله من انتصاب الماء وكون الطريق يبسًا لا يضربه بعصاه ولا يغير منه شيئًا ليدخله القبط، فإذا حصلوا فيه أطبقه الله عليهم.
وقيل: الرهو: الفجوة الواسعة أي اتركه مفتوحًا على حاله منفرجًا {إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ} بعد خروجكم من البحر، وقرئ بالفتح أي لأنهم.
{كَمْ} عبارة عن الكثرة منصوب بقوله: {تَرَكُواْ مِن جنات وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} هو ما كان لهم من المنازل الحسنة وقيل: المنابر {وَنَعْمَةٍ} تنعم {كَانُواْ فِيهَا فاكهين} متنعمين {كذلك} أي الأمر كذلك فالكاف في موضع الرفع على أنه خبر مبتدأ مضمر {وأورثناها قَوْمًا ءَآخرين} ليسوا منهم في شيء من قرابة ولا دين ولا ولاء وهم بنو إسرائيل {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السماء والأرض} لأنهم ماتوا كفارًا، والمؤمن إذا مات تبكي عليه السماء والأرض فيبكي على المؤمن من الأرض مصلاه ومن السماء مصعد عمله، وعن الحسن: أهل السماء والأرض {وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} أي لم ينظروا إلى وقت آخر ولم يمهلوا.
{ولقد نَجَّيْنَا بَنِى إسراءيل مِنَ العذاب المهين} أي الاستخدام والاستعباد وقتل الأولاد {مِن فِرْعَوْنَ} بدل من {العذاب المهين} بإعادة الجار كأنه في نفسه كان عذابًا مهينًا لإفراطه في تعذيبهم وإهانتهم، أو خبر مبتدأ محذوف أي ذلك من فرعون {إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا} متكبرًا {مِّنَ المسرفين} خبر ثانٍ أي كان متكبرًا مسرفًا {ولقد اخترناهم} أي بني إسرائيل {على عِلْمٍ} حال من ضمير الفاعل أي عالمين بمكان الخيرة وبأنهم أحقاء بأن يختاروا {عَلَى العالمين} على عالمي زمانهم {وءآتيناهم مِنَ الآيات} كفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وغير ذلك {مَا فِيهِ بَلَؤٌاْ مُّبِينٌ} نعمة ظاهرة أواختبار ظاهر لننظر كيف يعملون {إِنَّ هَؤُلاءِ} يعني كفار قريش {لَيَقولونَ إِنْ هِىَ} ما الموتة {إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأولى} والإشكال أن الكلام وقع في الحياة الثانية لا في الموت، فهلا قيل: إن هي إلا حياتنا الأولى؟ وما معنى ذكر الأولى كأنهم وعدوا موتة أخرى حتى جحدوها وأثبتوا الأولى؟ والجواب أنه قيل لهم إنكم تموتون موتة تتعقبها حياة كما تقدمتكم موتة قد تعقبتها حياة وذلك قول تعالى: {وَكُنتُمْ أمواتا فأحياكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28] فقالوا: إن هي إلا موتتنا الأولى يريدون ما الموتة التي من شأنها أن يتعقبها حياة إلا الموتة الأولى فلا فرق إذًا بين هذا وبين قوله: {إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا} [الأنعام: 29] في المعنى.
ويحتمل أن يكون هذا إنكارًا لما في قوله: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين} [غافر: 11] {وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ} بمبعوثين يقال: أنشر الله الموتى.
ونشرهم إذا بعثهم {فَأْتُواْ بِآبائنا} خطاب الذين كانوا يعدونهم النشور من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين {إِن كُنتُمْ صادقين} أي إن صدقتم فيما تقولون فعجلوا لنا إحياء من مات من آبائنا بسؤالكم ربكم ذلك حتى يكون دليلًا على أن ما تعدونه من قيام الساعة وبعث الموتى حق.
{أَهُمْ خَيْرٌ} في القوة والمنعة {أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} هو تبع الحميري كان مؤمنًا وقومه كافرين.
وقيل: كان نبيًا في الحديث: «وما أدرى أكان تبع نبيًا أو غير نبي» {والذين مِن قَبْلِهِمْ} مرفوع بالعطف على {قَوْمُ تُبَّعٍ} {أهلكناهم إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} كافرين منكرين للبعث {وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} أي وما بين الجنسين {لاَعِبِينَ} حال ولولم يكن بعث ولا حساب ولا ثواب كان خلق الخلق للفناء خاصة فيكون لعبًا {مَا خلقناهما إِلاَّ بالحق} بالجد ضد اللعب {و لكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أنه خلق لذلك.
{إِنَّ يَوْمَ الفصل} بين المحق والمبطل وهو يوم القيامة {ميقاتهم أَجْمَعِينَ} وقت موعدهم كلهم {يَوْمَ لاَ يُغْنِى مولى عَن مولى شَيْئًا} أيّ ولي كان عن أي ولي كان شيئًا من إغناء أي قليلًا منه {و لاَ هُمْ يُنصَرُونَ} الضمير للمولى لأنهم في المعنى لتناول اللفظ على الإبهام والشيئاع كل مولى {إِلاَّ مَن رَّحِمَ الله} في محل الرفع على البدل من الواو في {يُنصَرُونَ} أي لا يمنع من العذاب إلا من رحمة الله {إِنَّهُ هو العزيز} الغالب على أعدائه {الرحيم} لأوليائه.
{إنّ شَجَرَةَ الزقوم} هي على صورة شجرة الدنيا لكنها في النار والزقوم ثمرها وهو كل طعام ثقيل {طَعَامُ الأثيم} هو الفاجر الكثير الاثام.
وعن أبي الدرداء أنه كان يقرىء رجلًا فكان يقول: طعام اليتيم.
فقال: قل طعام الفاجر يا هذا.
وبهذا تستدل على أن إبدال الكلمة مكان الكلمة جائز إذا كانت مؤدية معناها، ومنه أجاز أبو حنيفة رضي الله عنه القراءة بالفارسية بشرط أن يؤدي القارىء المعاني كلها على كمالها من غير أن يخرم منها شيئًا.
قالوا: وهذه الشريطة تشهد أنها إجازة كلا إجازة لأن في كلام العرب خصوصًا في القرآن الذي هو معجز بفصاحته وغرابة نظمه وأساليبه من لطائف المعاني والدقائق ما لا يستقل بأدائه لسان من فارسية وغيرها.
ويُروى رجوعه إلى قولهما وعليه الاعتماد {كالمهل} هو دردي الزيت، والكاف رفع خبر بعد خبر {يغلي في البطون} بالياء: مكي وحفص (وقرىء بالتاء) فالتاء للشجرة والياء للطعام {كَغَلْىِ الحميم} أي الماء الحار الذي انتهى غليانه ومعناه غليًا كغلي الحميم فالكاف منصوب المحل.
ثم يقال للزبانية {خُذُوهُ} أي الأثيم {فاعتلوه} فقودوه بعنف وغلظة، {فاعتلوه} مكي ونافع وشامي وسهل ويعقوب {إلى سَوَاءِ الجحيم} إلى وسطها ومعظمها {ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحميم} المصبوب هو الحميم لا عذابه إلا أنه إذا صب عليه الحميم فقد صب عليه عذابه وشدته وصب العذاب استعارة ويقال له {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} على سبيل الهزؤ والتهكم.
{إِنَّكَ} أي لأنك: عليّ {إِنَّ هَذَا} أي العذاب أوهذا الأمر هو {مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} تشكون.
{إِنَّ المتقين في مَقَامٍ} بالفتح وهو موضع القيام والمراد المكان وهو من الخاص الذي وقع مستعملًا في معنى العموم، وبالضم: مدني وشامي وهو موضع الإقامة {أَمِينٍ} من أمن الرجل أمانة فهو أمين وهو ضد الخائن، فوصف به المكان استعارة لأن المكان المخيف كأنما يخون صاحبه بما يلقى فيه من المكاره {فِى جنات وَعُيُونٍ} بدل من {مَقَامٍ أَمِينٍ} {يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ} ما رقّ من الديباج {وَإِسْتَبْرَقٍ} ما غلظ منه وهو تعريب استبر، واللفظ إذا عرب خرج من أن يكون أعجميًا لأن معنى التعريب أن يجعل عربيًّا بالتصرف فيه وتغييره عن منهاجه وإجرائه على أوجه الإعراب فساغ أن يقع في القرآن العربي {متقابلين} في مجالسهم وهو أتم للأنس {كذلك} الكاف مرفوعة أي الأمر كذلك {وزوجناهم} وقرناهم ولهذا عدي بالباء {بِحُورٍ} جمع حوراء وهي الشديدة سواد العين والشديدة بياضها {عِينٍ} جمع عيناء وهي الواسعة العين {يَدْعُونَ فِيهَا} يطلبون في الجنة {بِكلِّ فاكهة ءَآمنين} من الزوال والأنقطاع وتو لد الضرر من الإكثار {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا} أي في الجنة {الموت} البتة {إِلاَّ الموتة الأولى} أي سوى الموتة الأولى التي ذاقوها في الدنيا.
وقيل: لكن الموتة قد ذاقوها في الدنيا {ووقاهم عَذَابَ الجحيم فَضْلًا مِّن رَّبِّكَ} أي للفضل فهو مفعول له أو مصدر مؤكد لما قبله لأن قوله: {ووقاهم عَذَابَ الجحيم} تفضل منه لهم لأن العبد لا يستحق على الله شيئًا {ذلك} أي صرف العذاب ودخو ل الجنة {هوالفوز العظيم فَإِنَّمَا يسرناه} أي الكتاب وقد جرى ذكره في أول السورة {بلسانك لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} يتعظون {فارتقب} فانتظر ما يحل بهم {إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ} منتظرون ما يحل بك من الدوائر. اهـ.

.قال البيضاوي:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
{حَم والكتاب المبين}.
القرآن والواو للعطف إن كان {حم} مقسمًا به وإلا فللقسم والجواب قوله: {إِنَّا أنزلناه في لَيْلَةٍ مباركة} ليلة القدر، أو البراءة ابتدىء فيها إنزاله، أوأنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا من اللوح المحفوظ، ثم أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم نجومًا وبركتها لذلك، فإن نزول القرآن سبب للمنافع الدينية والدنيوية، أولما فيها من نزول الملائكة والرحمة وإجابة الدعوة وقسم النعمة وفصل الأقضية.
{إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} استئناف يبين المقتضى للأنزال وكذلك قوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} فَإِن كونها مفرق الأمور المحكمة أو الملتبسة بالحكمة يستدعي أن ينزل فيها القرآن الذي هو من عظائمها، ويجوز أن يكون صفة {لَيْلَةٍ مباركة} وما بينهما اعتراض، وهو يدل على أن الليلة ليلة القدر لأنه صفتها لقوله: {تَنَزَّلُ الملائكة والروح فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ} وقرئ {يُفْرَقُ} بالتشديد و{يُفْرَقُ} كل أي يفرقه الله، و{نفرق} بالنون.
{أَمْرًا مّنْ عِنْدِنَا} أي أعني بهذا الأمر أمرًا حاصلًا من عندنا على مقتضى حكمتنا، وهو مزيد تفخيم للأمر ويجوز أن يكون حالًا من كل أوامر، أو ضميره المستكن في {حَكِيمٌ} لأنه موصوف، وأن يكون المراد به مقابل النهي وقع مصدرًا لـ: {يُفْرَقُ} أولفعله مضمرًا من حيث أن الفرق به، أو حالا من أحد ضميري {أنزلناه} بمعنى امرين أو مأمورا.
{إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ}.
{رَحْمَةً مّن رَّبّكَ} بدل من {إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} أي أنزلنا القرآن لأن من عادتنا إرسال الرسل بالكتب إلى العباد لأجل الرحمة عليهم، وضع الرب موضع الضمير للإِشعار بأن الربوبية اقتضت ذلك، فإنه أعظم أنواع التربية أو علة لـ: {يُفْرَقُ} أو {أمْرًا}، و{رَحْمَةً} مفعول به أي يفصل فيها كل أمر أوتصدر الأوامر {مّنْ عِنْدِنَا} لأن من شأننا أن نرسل رحمتنا، فإن فصل كل أمر من قسمة الأرزاق وغيرها وصدور الأوامر الإِلهية من باب الرحمة، وقرئ {رَحْمَةً} على تلك رحمة.
{إِنَّهُ هو السميع العليم} يسمع أقوال العباد ويعلم أحوالهم، وهو بما بعده تحقيق لربوبيته فإنها لا تحق إلا لمن هذه صفاته.
{رَبِّ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} خبر آخر أواستئناف. وقرأ الكوفيون بالجر بدلًا {مِن رَبّكَ}.
{إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ} أي إن كنتم من أهل الإيقان في العلوم، أوكنتم موقنين في إقراركم إذا سئلتم من خلقها؟ فقلتم الله، علمتم أن الأمر كما قلنا، أوإن كنتم مريدين اليقين فاعلموا ذلك.
{لاَ إله إِلاَّ هو} إذ لا خالق سواه.
{يُحْيِي وَيُميتُ} كما تشاهدون.
{رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَآبائكم الأولين} وقرئا بالجر بدلًا {مِن رَبّكَ}.
{بَلْ هُمْ في شَكّ يَلْعَبُونَ} رد لكونهم موقنين.
{فارتقب} فانتظر لهم.
{يَوْمَ تَأْتِى السماء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} يوم شدة ومجاعة فإن الجائع يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان من ضعف بصره، أولأن الهواء يظلم عام القحط لقلة الأمطار وكثرة الغبار، أولأن العرب تسمي الشر الغالب دخانًا وقد قحطوا حتى أكلوا جيف الكلاب وعظامها، وإسناد الإتيان إلى السماء لأن ذلك يكفه عن الأمطار، أو يوم ظهور الدخان المعدود في أشراط الساعة لما روي أنه عليه الصلاة والسلام لما قال: أول الآيات الدخان ونزول عيسى عليه السلام، ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر. قيل وما الدخان فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية وقال: «يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يومًا وليلة، أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكام وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره» أو يوم القيامة والدخان يحتمل المعنيين.
{يَغْشَى الناس} يحيط بهم صفة للدخان وقوله: {هذا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
{رَّبَّنَا اكشف عَنَّا العذاب إِنَّا مْؤْمِنُونَ} مقدر بقول وقع حالًا و{إِنَّا مْؤْمِنُونَ} وعد بالإِيمان إن كشف العذاب عنهم.
{أنى لَهُمُ الذكرى} من أين لهم وكيف يتذكرون بهذه الحالة.
{وَقَدْ جَاءهُمْ رسول مُّبِينٌ} بين لهم ما هو أعظم منها في إيجاب الإدكار من الآيات والمعجزات.
{ثُمَّ تَولواْ عَنْهُ وَقالواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ} أي قال بعضهم يعلمه غلام أعجمي لبعض ثقيف وقال آخرون إنه {مَّجْنُونٍ}.
{إِنَّا كَاشِفُواْ العذاب} بدعاء النبي عليه الصلاة والسلام فإنه لما دعا رفع القحط {قَلِيلًا} كشفا قليلًا أوزمانًا قليلًا وهو ما بقي من أعمارهم.
{إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} إلى الكفر غب الكشف، ومن فسر الدخان بما هو من الأشراط قال إذا جاء الدخان غوث الكفار بالدعاء فيكشفه الله عنهم بعد الأربعين، فريثما يكشفه عنهم يرتدون، ومن فسره بما في القيامة أوله بالشرط والتقدير.